"مبحث مهم" كيف تعالج هذا الوباء العقلي والفكري !! ""( تابع - أدب التعامل مع الدليل-)

المقال

"مبحث مهم" كيف تعالج هذا الوباء العقلي والفكري !! ""( تابع - أدب التعامل مع الدليل-)

3871 | 12-09-2010 11:34
** علاجات السفسطة :

فندلف إلى رسم العلاج وهو يتكون من جانبين وقائي يدفع المرض قبل حصوله ، وجانب علاجي يرفع المرض عمن أصيب به . فأما الجانب الوقائي : فأفضل وسائله ما مرّ قريباً من ملئ قلوب الناس عموماً والنشء خصوصاً بالعقيدة والتوحيد وأصول الدين حتى تكون كالحصن الحصين الذي تتكسر عليه سهام الشهوات والشبهات والسفسطات والهلوسات ، ولا يكفي في ذلك قراءة كتاب أو شريط في العقيدة فحسب بل يجب أن نعيش مع العقيدة نحن وأبناؤنا في كل أحوالنا .

ولك أن تتأمل في الأذكار التي شرعت لنا وطولبنا بتكرارها مئات وعشرات المرات يومياً ، فلو تتبّعنا ألفاظها ومعانيها فسجد أنها تبني السياج العقدي وتغرس وبقوة التوحيد والعبادة لله وحده ، وترسخ مبدأ تجريد المتابعة لنبيه صلى الله عليه وسلم ، فهل سألت نفسك عن سر هذا التركيز وهذا التكرار !! لن تجد جواباً إلا الأهمية الكبرى لمحتواه ومدى الحاجة إلى ملازمة لفظه ومعناه لا مجرد اللفظ فقط ، فلو تحقق هذا الأمر لأصبح المجتمع في حصانة ومنعه من تلك الأوبئة بإذن الله تعالى .

ومن العلاج : قيام العلماء ومن ورائهم طلاب العلم بالتصدي لتلك الشبه والسفسطات بالتفنيد ، وبث وإذاعة الحق بأدلته الواضحة ، حتى لا يستغل المسفسطون جهل الناس بالأدلة فينشرون شبههم زاعمين أن من خالفهم ليس لديه دليل إنما مجرد التشدد فقط ، ففي نشر الأدلة بين الناس بوضوح وتركيز يفند تلك الدعاوى والشبه ، وصدقوني أن الشبهة لا تقوى على الوقوف بوجه الحق أبداً قال تعالى : ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق )الآية ، وقال جل وعز : (ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً )الاية ، قال الطاهر بن عاشور في تفسيره : " والمراد هنا كشف الحجة والدليل ، ومعنى كونه {أَحْسَنُ} ، أنه أحق في الاستدلال، فالتفضيل للمبالغة إذ ليس في حجتهم حسن !! ، أو يراد بالحسن ما يبدو من بهرجة سفسطتهم ! وشبههم فيجيء الكشف عن الحق أحسن وقعا في نفوس السامعين من مغالطاتهم، فيكون التفضيل بهذا الوجه على حقيقته فهذه نكتة من دقائق الاستعمال ودقائق التنزيل " أ.هـ -.

لكن إذا ضعف أهل الحق في تأصيله وبيانه ونشره فهنا سيكون المجال متاحاً لتتكاثر وتتوالد الشبه لأن الجو خلا لها فتبيض وتصفر ، فهذا يجعل العلماء وطلاب العلم والدعاة في وضع هام وحاسم في التصدي والتخصص في ذلك ، إذ لا يكتفى بالعمومات والجهود المتناثرة والقليلة ، بل يحتّم عليهم التيقظ والمثابرة في هذا الأمر على مستوى أفراد العلماء أو المؤسسات العلمية الشرعية.
**
ومن العلاج : المناصحة الدائمة لمن يتلبس بهذا الداء والأخذ على يديه بشفقة وإخلاص وحرص على انتشاله من هذه الأزمة ، والبحث عن أوجه التأثير عليه لتخليصه من هذا المرض ، والدعاء الدائم لهم بالهداية والصلاح .

وكذا استعمال الأساليب الشرعية في الدعوة بحسب تنوع المدعوين وقوة الأسلوب ومناسبته لهم ، فالنبراس في ذلك قوله تعالى : ( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) فالحكمة والتعليم : لمن يجهل الحكم أصلاً .

والموعظة الحسنة : لمن يعرف الحكم لكن غرته الشهوة والهوى فنستخدم معه الوعظ والتذكير بالله وبالجنة والنار.

والمجادلة : هي مع من يعرف الحكم على خلاف الحق ولديه شبه في ذلك ، فيجب على الداعية في هذه الحالة أن يجادله بما يزيل الشبهة من قلبه ، وفي ظني أن المسفسطين يحتاجون إلى تكثيف هذا النوع من الأساليب الدعوية ليزيلوا ما عندهم من شبه ، وللأسف !! فإن هذا الأسلوب الدعوي الشرعي قلّ من يطرقه ويبثه ويتبناه في خطابه الدعوي ، لكونه أصعب وأشد من الأسلوبين الأولين ، ويحتاج قوة في الاستدلال والإقناع ، فالواجب هنا أن ننشر هذا الأسلوب ونشجع طلبة العلم على التخصص فيه خاصة والزمن القادم – حسب تقديري – زمن السفسطات العقلية !!

ولا يمكن صدّ هذا الوباء إلا بالمجادلة بالتي هي أحسن ، ولك أن تعجب كعجبي من أن الأمر بالمجادلة لم يقيّد بالحسن فقط كما هو الحال في الموعظة ، بل جاء بتقييده بالأحسن – أفعل التفضيل – ليرشد إلى أن الناصح إذا عمل بهذا الأسلوب بطريقة حسنة لكن فيه ماهو أقوى حسناً فإن هذا قد يؤدي إلى ضياع الحق لأن المجادِل والمسفسط قد يكون ألحن وأقوى بحجته من صاحب الحق الذي لم يتحرى أحسن أسلوب في المجادلة ، خصوصاً إذا عرفناً يقيناً المقومات الهائلة التي تتوفر لدى أهل الباطل من وسائل إعلام تزين وتزخرف الباطل .

وقد استعاذ عمر - رضي الله عنه - من جلد المنافق وعجز الثقة !!! ، من هنا ينكشف أحد أهم الأسباب في انتشار السفسطة وهو عدم تفعيل الدعاة للسلاح المناسب لصد هذا الهجوم ومدافعته وهو سلاح (المجادلة بالتي هي أحسن) .
**
كما أن من العلاجات الناجعة جداً ربط المجتمع بكبار علمائه الراسخين ؛ لأنه متى صار المجتمع يحترم كبار علمائه ويجلّهم كان هذا أدعى في قبول فتاواهم وتوجيهاتهم ، ومتى ما همّش العلماء الكبار – ونركز على كلمة الكبار!! – ممن شابت لحاهم في العلم والعقيدة والدعوة والفقه متى همش هؤلاء فالنتائج ستكون ضياع أو ضعف أقوى وأمضى سلاح دفاعي ضد السفسطة ، إذ هم صمام الأمان للمجتمع .

ولكن للأسف الشديد نرى أن البعض حتى ممن ينتسب للعلم والدعوة من طلاب العلم يقلل من شأنهم وقد يتهمهم – عياذا بالله – وهذا مؤشر خطر يخدم المسفسطين في تشويه صورة علماء الأمة ومن ثمّ اسقاطهم من قلوب الناس و والله لا خير في أمة تسقط علماءها الراسخين ، فهم زينة الأرض و رجوم الشياطين الجنية والإنسية ، وهداية للأمة في ظلمات الفتن كما أخبر الصادق المصدوق – صلى الله عليه وسلم – ، وقد أعجبني ما صار يقوم به بعض الغيورين من الاعتصام والرجوع إلى العلماء الكبار في تغيير بعض المنكرات من خلال مخاطبة ولي أمر المسلمين في مجلسه دون تهييج ولا تهريج ، مما أسهم في وأد كثير من الفتن وصدها قبل وقوعها .

وليت الشباب اتخذ هذا الأسلوب قبل سنوات في خضم الأحداث التي اتخذها البعض ذريعة للقدح في كبار العلماء واتهامهم بأقبح الصفات – عياذا بالله – مما أسهم بشكل أو بآخر في تقليل الاهتمام بفتاويهم من بعض من اقتنع بتلك الطعون ، وصاروا يتلقفون الفتاوى المناسبة لأهوائهم من علماء أو دعاة من خارج البلد ليجعلوهم قدوة للأمة ، وهذا لا شك أنه خطأ كبير لكن رجع عنه كثير من الشباب ليعيدوا الثقة والالتفاف بعلمائنا الراسخين ، ولا شك أن أقوى ثمرة لهذا التحوّل هي زرع محبتهم في نفوس الناس مما يسهم في التقبل لما يصدر عنهم...
**
كما يجب أن نراعي في العلاج للسفسطة : الشمولية والتكامل في ذلك فلا ينشغل المعالجون في جانب على حساب جوانب أخرى. لأننا نرى تبادل الأدوار بشكل منسق ومرتب بين المسفسطين بكافة أطيافهم وأنواعهم حيث جمعهم همّ مشترك وهو القضاء على عقيدة أهل السنة والجماعة ، ولم يكتفوا بذلك بل تعدوا إلى التعاون والتكاتف مع قوى أجنبيه من خلال السفارات والسفرات والسافرات ، خصوصاً بعد تقرير (راند) الذي صرح بوجوب دعم التيارات الإسلامية الباردة والجامدة و الميتة من الرافضة والصوفية القبورية لأنها تيارات لا تؤمن بإنكار المنكر أصلاً بل تتعايش مع كل شيء لكونه من قضاء الله وقدرة!! ومحاولة إنكاره هو اعتراض على القضاء والقدر ، لذا فالنبي صلى الله عليه وسلم لما كان ينكر النمكرات ويجاهد الكفار والمنافقين جهادا كبيراً بالقران كان كذلك – نعوذ بالله من الخذلان !!–

فلا شك أنهم ليسوا من سبيل محمد صلى الله عليه وسلم في شيء ، لذا كان جدّهم وقطبهم الأكبر ( ابن عربي الطائي ) يقول إن فرعون عرف الحقيقة أكثر من موسى – صلى الله عليه وسلم – لأنه قال أي فرعون (أنا ربكم الأعلى) فأقر بوحدة الوجود!! ، نعوذ بالله من الجدّ والأحفاد فليس بعد هذا الكفر والعناد كفر وعناد ...

الشاهد : أن تعاون أولئك المسفسطين حتى مع أئمة الكفر يوجب على أهل السنة والجماعة التعاون والتكامل فيما بينها في التصدي لهذا الخطر القادم بقوة بعد تكالب الأحزاب من كل حدب وصوب على خندق المجتمع المسلم نسأل الله أن يرد كيد تلك الجحافل (( اللهم مجري السحاب هازم الأحزاب خالقنا من تراب أهزمهم وانصرنا عليهم )) آمين.
**
كما أن من الواجب على المصلحين من طلبة العلم أن لا يستعجلوا النتائج ، بل عليهم بالروية والتؤدة وأن لا يستعجلوا باتخاذ مواقف وأقوال وآراء خصوصاً فيما يخالف ما عليه الفتوى بل يلتفوا حول علمائهم الكبار ولا يحاولوا أن يبرزوا في آراء شاذة ومخالفة اتهاماً لأنفسهم و أفهامهم ، كيف لا وهم في مندوحة من الفتيا بوجود كبار العلماء ، وقد كان العلامة ابن باز يسأل بسؤال فيقول للسائل سنحيله إلى هيئة كبار العلماء للنظر فيه ،، وهو سؤال لو عرض على بعض الشباب لأخذ في تقريره وتفصيله وقتاً طويلاً ومن ثم يجعل نفسه حكماً بين أقوال الأئمة ولم يبلغ مبلغهم ، وهذا الكلام أقوله لما نرى في الواقع من قيام المسفسطين بتصيد الآراء الشاذة لبعض المفتين الشباب !! الذين ارتقوا مرتقاَ صعباً لم يتأهلوا له بعد ، فصاروا كالمنشفة والمنديل الذي يمسح به المسفسطون نجاسات أقلامهم التي لا تفتر في تنجيس ثياب الجرائد من كل أنواع النجاسات ، والأخطر في الأمر حينما تجد تلك الأهواء المسفسطة من شباب طلبة العلم دعماً لوجستياً لكي تنفذ مخططها بكل قوة وحرفية ومهنية وسرعة .
**
ومن أوجه العلاج مراجعة المصلحين والدعاة وطلاب العلم علاقتهم بربهم ، وتصحيح ما لديهم من قصور في عبادة أو معاملة أو أخلاق لكون الأنظار عليهم في كل صغيرة وكبيرة ، فهم مقياس الصلاح والفلاح والتقوى في أي مجتمع من المجتمعات ، فإذا رأيت المصلحين وطلاب العلم في المجتمع فلن تجد صعوبة في تحديد حال المجتمع ككل ، ولا يكتفي بترك المحرمات وامتثال الواجبات فقط بل يبتعد كل البعد عن أماكن الشبه وما يشينه حتى في خصال المروءة والورع والزهد ، لا أن يسابق العوام إلى الرخص والأقوال الشاذة حتى ولو كانت في مذهبه ليراعي في ذلك " أن يجعل بينه وبين الحرام سترة من حلال " كما في الحديث الصحيح .

وقد أعجبني تشبيه بليغ لأحد العلماء الأفاضل : حيث شبه ما ينبغي أن يكون عليه العالم والداعية بالحرس الخاص بالقادة وكبار المسئولين حيث لا تجد منهم أي تفاعل أو انفعال فلا ترى عليه إلا التأهب الشديد لأي موقف دون أن يلقي لعواطفه أي تدخل ، بل يترصد للحماية واليقظة حتى لا يؤتى من جهته ، فلن تجد عليه ابتسامة أو تهكم أو تعليق لما يسمع نكتة من هنا وهناك ؛لأن ما هو فيه من حراسة يحتّم عليه ذلك ، وإلا عليه أن يترجل إذا أراد شيئاً من ذلك ليقوم غيره بهذا الدور الخطير ، ولا شك أن دوره أشد خطراً من حراسة كبار الشخصيات إذ لا أهم في الوجود من حراسة الدين فحذار حذار أيها المصلح والقدوة أن يؤتى الإسلام من قبلك ، ولعلنا يمكن أن نستدل لهذه الطريقة في حراسة الداعية والعالم للأمة بقوله تعالى لنبيه لوط : (..فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون)الآية ، فكل هذه الأوامر العظيمة من السري وكونه في آخر الصفوف وعدم الالتفات والمضي الملتزم بالأمر الإلهي !! كل هذه التعليمات تؤصل ذلك المبدأ الحراسي الأمني المحكم والمتقن !!
ومن تأمل سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعلماء الأمة حتى من المعاصرين يجد أن هذه الصفة واضحة في تصرفاتهم وإداراتهم للأزمات التي تمر بالأمة من ضبط المشاعر والعواطف عند اتخاذ أي قرار شرعي وقد قال ابن تيمية : (العاطفة إذا لم تضبط بضوابط الشرع فهي عاصفة) .

فكم عصفت بالبرامج الدعوية ، وقضت على مشروعات إصلاحية كان من الأولى أن تنتج في المستقل ولو من الأصلاب جيلاً يوحد الله تعالى ، لكن عواصف العواطف عصفت به قبل أن تتحين للقواطف .

والإمام الشافعي كان له تلميذان من أميز تلامذته هما :الربيع بن سليمان والبوطي ، فكان يقول للثاني : "أنت تموت في الحديد" لما رأى عليه من الغضبة والشدة ، وبالفعل صدقت فراسة الشافعي فحصل ذلك ، وبقي الربيع يدرس وينشر العلم حتى بنى مذهب هذا الإمام أو أكثر مذهبه ، والناظر في الساحة اليوم يرى هذا الأمر عين اليقين وحق اليقين وعلم اليقين !! إذ لا تزال آراء كبار العلماء هي صمام أمان الأمة وهذا ما تتقشع عنه سحائب الأيام والأعوام ليراه جلياً الخواص والعوام .

وأنتهز الفرصة في هذا السياق فأتقدم بطلب للعلماء والدعاة من أهل السنة الذين انخرطوا في قنوات و " منابر الضرار " تلك المنابر والقنوات التي تبث البدع والشبهات والشهوات والخبث ، ففي الفترة الماضية اجتهد بعض المصلحين فخرجوا على شاشاتها التي لم تؤسس على التقوى من أول يوم ، بل أسست لتخدم أجندة يعرفها حتى هؤلاء المصلحين ، من هنا عاش المجتمع في تناقض عجيب وبث للشبهات والشهوات بشكل مكثف ؛ لأنه وبعد تزوده بالخير الذي ألقاه هذا المصلح ما يلبث إلا وسيل الشبهات يغمر عقله الضعيف ، فإذا ما استخار واستشار لمقاطعة تلك الشاشات جاءه برنامج هذا المصلح الذي تسير بسمعته الركبان فيرجع عن قرار المقاطعة إذ لو كان خيراً لسبقونا مصلحونا إليه !!

ولك أن تتخيل قليلاً لو أن دعاتنا هجروا تلك الشاشات فالنتيجة –ولا شك- هي تغيّر نظرة المجتمع لها ؛لأنها حينئذ ستكون شرّاً خالصاً محضاً (100%) وسيكون الناظر إليها في قرارة نفسه يعرف أنه في مكان ( خبثِ وخبائث ) يستعيذ منه دخولاً وخروجاً ، ولن ينتظر منه توجيها أبداً ، بل سيقضي حاجته الشيطانية على عجل ووجل ثم يخرج ، وبهذا ستزول شعبيتها التي لهذا المصلح اسهام فيها ، أو على الأقل ستقلّ ، ولم يبق لهؤلاء الدعاة أي عذر لأنهم كانوا يتحججون بعدم وجود منابر بديلة إذ الفضاء وبعد أن بقي سنوات عجاف مشحوناً بالشهوات والشبهات ، أغاثه الباري سبحانه بغيث مبارك من القنوات الطيبة الملتزمة بتعاليم الإسلام ، لكن العجيب أنها تقدم مواد ضعيفة والسبب الأكبر هو أن دعاتنا المشهورين لم يلتفتوا إليها إلا ببرامج "مجاملات" فقط ، وتركوها للمغمورين والمبتدئين في الدعوة ، وهذا ما يؤكد على دعاتنا وعلمائنا بوجوب هجر منابر الضرار بالكلية والدخول للمنابر التي أسست على التقوى ليعم النفع وتحسم مادة الشهوات والشبهات وتتلاشى مع الأيام ، ويسلم المجتمع من حياة التناقضات الفكرية التي تؤسس في كثير من الأحيان لمرض السفسطة وترعاه وتنميه وتنشره ، لذا فإن سيد المصلحين نبينا وحبيبنا- صلى الله عليه وسلم- قد منعه الباري سبحانه من الصلاة في مسجد الضرار الذي أسسه المسفسطون والمنافقون الأوائل لبث الشبهات واستضافة أخطر المفسدين للعقائد والدين ، فقال تعالى : {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ}الآية ، فلاحظ الأجندة نفسها وإن تغيّرت الوسائل فسبحان الله - تعالى – فهل من مجيب لهذا الأمر الرباني الذي لا يسوغ فيه أي تأويل ..

تلك أهم العلاجات لداء السفسطات ، مع العلم أنه من المستحيلات أن يقضى عليه بشكل تام ، خصوصاً أنه ينشط عند تسلط العدو الخارجي على الأمة وعندما تقترب دباباته وطائراته من المجتمع المسلم ، أسوة بأجدادهم المنافقين في عهد النبوة حيث ينشطون في الأزمات (يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ....) وهذا في إحدى الغزوات ، (وحديث : ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء ... ) كان في غزاة أخرى ، فنشاطهم الإعلامي في وكالات ( يقولون ) هو سلاحهم الناجع في إدارة الصراع والذي يوقتون لاستخدامها في الوقت المناسب.

والمستكشف لحال سلفنا من علماء أهل السنة والجماعة على مرّ العصور ليجد و بجلاء شدّة الأزمات التي تطيش معها العقول والقلوب بمجرد القراءة التاريخية لها فكيف في معايشتها ؟ من صنوف مجاهدة و مكابدة المبتدعة والشهوانيين والمعتزلة – ليبراليي تلك الفترة – في تدوين الكثير من الكتب والمؤلفات والردود والمناظرات التي تعكس وتصور حجم ما كانوا يعايشونه من هجمات شرسة على الدين والعقيدة ، وقد تصل تلك المجاهدة إلى حد لحوق الإيذاء الجسدي والحبس والتعذيب والطرد بسبب تمسكهم بمدافعة المفسدين ، ومع هذا خلّد التاريخ ذكرهم لتبقى الأمة تترحم عليهم جيلاً بعد جيل ،إذ قد حفظ الباري سبحانه بجهودهم وجدِّهم هذا الدين الخالص من الشرك ، والصافي من البدع والفسوق ، ولا شك أن الليلة مثل البارحة فالرب واحد والدين واحد والعقيدة واحدة ، وكذلك شياطين الإنس والجن يقومون بنفس تلك الأدوار وإن اختلفت بعض المسميات وحدّثت بعض الوسائل إلا أن المحصّلة واحدة وهي مدافعة الخير والشر وهي من السنن الكونية على جميع الناس ، ومن السنن الشرعية بالنسبة لأهل السنة والجماعة أهل الحق .

فكلنا نعقد الآمال الكبيرة في علمائنا الراسخين ودعاتنا المخلصين أن يتبعوا سبيل سلف الأمة في التصدي لكل ما يعكر صفو هذا الدين ، وبنفس الجد والمثابرة والقوة التي تحلى بها أولئك القوم.

موقع أصول الفقه