""بين القرمطة والسفسطة ""( تابع لسلسلة أدب التعامل مع الدليل)

المقال

""بين القرمطة والسفسطة ""( تابع لسلسلة أدب التعامل مع الدليل)

2414 | 12-09-2010 07:22

** بين القرمطة والسفسطة مع تحليل لماهية السفسطة :
وعوداً على عبارة ابن تيمية "يسفسطون في العقليات" لنعرف أن هذا هو المرض الثاني الذي يصد عن الحق ، فكما أن التوجه الأول – القرمطة - يشوش العلاقة بين الإنسان ودليل الشرع من كتاب وسنة ، فإن هذا الداء – السفسطة – يقوم على التلاعب بالعقل وتشويش أفكاره ونظرياته وعدم احترامه وجعله كاللعبة بيد الأطفال ، أو استخدامه بنفس الطريقة التي يستخدم بها المجانين عقولهم!! .

لست أبالغ بهذا بل هم بالفعل يتعاملون مع عقولهم كتعامل المجانين فتجد الواحد منهم لا يعرف أو لا يعترف بشيء أبداً ويسير في الناس متخبطاً لا يلوي على شيء ، ولا يعتقد شيئاً ، ولا يوصله عقله إلى أي نتيجة وقناعة بل هم حيارى تياها لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً ، يرى الشيء أمامه وينكره ، ويسمع بالشيء تواتراً ولا يقتنع به ، ويقال له هذا حار فيقول قد يكون بارداً ، ويرى النار ويقول هي لا تحرق ، ويسمي الليل نهارا والنهار ليلا ، ويقال له هذا صح فيقول : بل غلط ، ويقال : هذا غلط فيقول : بل صح !!

وهذا ليس مجنونا حتى ندع له بالشفاء العاجل والعافية!! أو نودعه بإحدى مستشفيات الأمراض العقلية ، بل هو يتعاطى مع الحياة كأي عاقل من العقلاء ،، إذن ما مكان المشكلة ؟؟

** في سرداب السفسطة :

ولو توغّلنا بدهاليز هذا الداء وسبرنا أغواره لصح أن نقول هو في الحقيقة إما (جنون مغلف بالعقل) أو (عقل مغلف بجنون) لأنه لا يمكن أن يكون (عقل في عقل) لما فيه من التخبط والاضطراب ، ولا يمكن أن يكون (جنون في جنون) لأن الواقع يكذب ذلك ، وننتبه : إلى أن هذا الاضطراب يكون في جانب الأوامر الشرعية ولا ينسحب على الأمور الدنيوية الكونية.

إن المصاب هنا إما أن يكون عاقلاً في الباطن لكن يتظاهر بهذا الاضطراب في التصورات والتفكير والأحكام ليحصٍّل بهذا الخلل العقلي المفتعل شيئا من الدنيا كمنصب ووظيفة ومال وجمال ، فيكون من الطرارين والمتسولين والمهرجين بعقولهم ، حيث يلبسونها وجوهاً وأقنعة ويصبغونها بالأصباغ كما هو صنيع المهرجين و الممثلين ليمرر من خلال تلك الأقنعة مسبقة الدفع !! حزمة من الأجندة التي تمليها جهات خارجية ، من خلال هذه الثغرة العقلية التي يجب أن تعالج وتحصن من تسلل الفيروسات الخارجية ....

وبعض المصابين هم على عكس الأول : حيث إن البعض منهم هو مريض عقلياً بالفعل ، ويعيش هذا التناقض والجهل والاضطراب بالتفكير – يعني مجنون في عقله الباطن – لكن أبقى الله له شيئاً من العقل الظاهري الذي يجعله يتعايش ويأكل ويشرب ويميز بين الجمر والتمر ؛ ليستمر في الحياة كباقي الكائنات الحية ، لكن ذلك العقل الذي يجعله يميز بين المعلومات الصالحة والطالحة ، أو العلوم النافعة للعقل والمضرة به ، أو الصح والخطأ ، أو ما يجوز شرعاً وما لا يجوز ، أو ما هو عبادة وحق لله وما هو نقص أو انتقاص في عبادة الله وحقه .

وبمعنى أشمل (العقل الذي يتهيأ به الإنسان لمنصب التكليف والعبودية لله بما شرع ، ومن فقده صار مرفوعا عنه التكليف كبقية بهائم الأنعام التي حُِرمت هذا العقل وأعطيت بعض ما يميز لها ما تقوم بها الحياة كباقي الحيوانات ) قال تعالى : (ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس ؛ لهم قلوب لا يعقلون بها ، ولهم أعين لا يبصرون بها ، ولهم آذان لا يسمعون بها ، أولئك كالأنعام بل هم أضل ، أولئك هم الغافلون ). وقال سبحانه : (إن شر الدواب عند الله الصمّ البكم الذين لا يعقلون )

فهذا الوعيد الخطير من الله تعالى لؤلئك بجهنم ، والنعت لهم بأنهم شر الدواب لكونهم لم يستخدموا عقولهم مطلقاً ، أو استخدموها استخداماً خاطئاً خارجا عن العبودية والانصياع لأوامر الله تعالى .

فالمخرج من هذا الوعيد هو بالاستخدام للعقول وليس أي استخدام بل الاستخدام المتماشي مع دين الله تعالى .

***************
يتبع :

موقع أصول الفقه