(( الدرس الثالث ))

المقال

(( الدرس الثالث ))

1728 | 28/09/2009
الدرس الثالث :
درس في خطورة البدعة ، و تأصيل ذلك والوقوف معه في هذا الشهر ، وذلك لأن ثمة نوع من أنواع سهام إبليس هو دوين الشرك وفوق الفسق العملي ، يرمي به الشيطان عباد الله ممن لم يصب أو لم يقضِ بسهم الشرك ، وتكمن خطرة البدعة بكون صاحبها يتمسك به وهو معتقد بأنها دين وقربة لله -تعالى- بخلاف المعاصي الأخرى .
فأفادنا شعبان أن نضبط تعبدنا لله تعالى بضوابط الشرع ، وذلك أن العبادة توقيفية بمعنى : أنها متوقفة على الدليل ، وأي عبادة أو قربة لم نقيدها بقيد الدليل فسترعى في حمى البدع والمحدثات التي سوّرها النبي-صلى الله عليه وسلم- بسور : " كل محدثة بدعة " ثم بين مصيرها – عفوًا- بل مصير صاحبها : " وكل ضلالة في النار ".
والذي دعا إلى وقوع كثيرين كضحايا لهذا السهم الشيطاني هو ما ورد من فضيلة لهذا الشهر ، فصار للشيطان فرصة بأن يمرر على الغافلين المتحمسين العاطفيين الكثير من المحدثات ، فلما قالوا له : إنها لم تكن في عهد النبي-صلى الله عليه وسلم- ، قام فغير لهم اسمها ظناً منه أن تغيير الأسماء يغير الحقائق فسماها"بدعة حسنة" فخدعهم ومررها عليهم من هذا المنفذ ، ونسي أن لله علماء راسخين هم رجوم للشياطين ، فما موقفهم لو غير لهم الشيطان اسم " الشرك " إلى : "شرك حسن"
هل سيوافقونه ؟ إذ الشرع حارب البدع كما حارب الشرك .
ولو سلم لهذا القانون الشيطاني "بدعة حسنة" لأصبح الحكم الشرعي للبدعة مختلفا رأساً على عقب وسيكون الحكم بناءا على هذا القانون : " كل بدعة مشروعة " وذلك لأن البدع السيئة لا وجود لها إلا فيما ندر ، ولم تكن تستحق أن تعمم بأقوى صيغ العموم "كل" ، ولصارت الشريعة ميدانا للرغبات الإنسانية لأن كل أحد سيضيف إلى الشرع ما يتواءم ونفسيته وكيفه ، إلى أن يصبح لكل شخص دين وطريقه وطقوس تناسبه نعوذ بالله من الخذلان ، وبالفعل كل ما نراه من الطرق والانقسام المتجذر في الفرق الثنتين والسبعين هو بهذا السبب ، وقد سلم أهل السنة والجماعة من هذا التجذر والتحزب والتشرذم لمحاربتهم للبدع بأنواعها ، فلم يبرروا للبدع ولم يؤيدوها لذا لم تفتك كما فتكت في غيرهم بل اصطلحوا على أن يسموا أؤلئك وينعتوهم "بأهل البدع" .
والذي أحسبه أن تفضيل الله تعالى بعض الأوقات وجعلها مواسم خير يتضاعف فيها العمل يوجب علينا وبشكل أكبر وأخطر أن نحذر ونحتاط -خصوصاً في تلك المواسم- وأن نحقق و نصفي الأعمال من كل شوائب الشرك أو البدع كي ننال الأرباح ، لا أن نجعلها ميدانا فسيحاً وسوقاً كبيرة لبيع وشراء بل واستيراد البدع والمحدثات والمستوردات التي لا دليل ولا هوية لها .
وهنا ينكشف اللغز الشيطاني من وراء زيادة نشاطه في تلك المواسم ، وما يقوم به من بث ونشر وعرض وتسويق لتلك البضائع الفاسدة والخطرة والتي كثيراً ما يخدع الناس بأن يغلفها ويصبها بقوالب جذابة لكي يروجها على قليلي البصيرة في الجيد والرديء ، ويستعين في ذلك ببعض المسوقين -من دعاة البدع- للدعاية والإعلان والذين لهم دور كبير بل الأكبر في الترويج ، فالسر من هذا النشاط هو تفويت الفرصة وتعطيل الأرباح الحقيقة التي تحققها البضائع الجيدة والصالحة ، فهل عرفت هذا اللغز ؟
من هنا أفادنا شعبان درساً سنوياً في كيفية مدافعة البدع وتصفية الدين الذي ندين الله به من كل شائبة .




(( يتبع ))
:: (( الدرس الرابع ))::

موقع أصول الفقه